حبة تمحو كل الذكريات المؤلمة عادي جدا، أن يمر الإنسان، أي إنسان، بظروف صعبة، أو أن يتعرض لمحنة أو صدمة، تولد ذكريات سيئة، تلتصق وتطبع في ذهنه، وأحيانا لا تبارحه، تلازمه وتؤرقه وتسبب له آلاما مبرحة .. وبالطبع، فإن القدرة على تجاوز الأزمة أو الصدمة، بغض النظر عن مدى حدتها وشدتها، تختلف وتتباين من شخص إلى آخر .. البعض يتمكن من التغلب على الموقف والخروج منه معافى، والبعض الآخر يعجز ويستسلم، وهنا تستفحل المشكلة، التي تتحول إلى مرض خطير يستوجب العلاج الذي يقصر أو يطول أحيانا.
واليوم، أصبح بإمكان أي شخص يعاني من صدمة عاطفية، على سبيل المثال، وتركت تأثيرات نفسية قوية عليه أو أي حادث آخر، أن ينسى كل تلك الآلام التي تبرحه ويتخلص منها بتناول حبة دواء واحدة.
فقد اكتشف العلماء والباحثون دواء يساعد على مسح ومحو الذكريات السيئة من خلال تزويد العقل بالإحساس بالطمأنينة والأمان، ومن شأن هذه التقنية ان تستخدم في يوم ما لعلاج المصابين بالرهاب، وهي حالات الخوف من شيء غير حقيقي، ومساعدة الجنود على التعافي من الفظائع التي تعلق في أذهانهم بعد الخروج من حرب أو معركة، وأيضا ضحايا الحوادث على نسيان ما جرى ووضع كل ما ترتب على ذلك خلف ظهورهم.
ومن أجل اختبار فعالية الدواء، عمد الباحثون والعلماء إلى «زرع» ذكريات سيئة بواسطة إعطاء فئران صدمات كهربائية في الوقت الذي تم فيه بث أصوات عالية، وعلى مر الوقت، تعلمت تلك المخلوقات التآلف والتناغم ما بين الصوت والصدمة، وسماع الصوت بمفرده كان كافيا أن يجعل الفئران في حالة تجمد، لكن عندما كان يتم اعطاؤها الدواء الذي يدعى «بي دي إن إف»، فإنها كانت تنزع الخوف وتتخلص منه وكأن شيئا لم يكن، ويعتقد الباحثون الذين تمولهم الحكومة الأميركية أن الدواء لا يمسح الذكريات السيئة تماما، لكنه يولد الأمان والإيجابية، الأمر الذي يسهل التعامل مع المشكلة.
وهم يعتقدون بأن ذلك يتم من خلال تحفيز نمو وزيادة الترابط ما بين خلايا موجودة في جانب من الدماغ تعتبر على جانب كبير من الأهمية في التعامل مع حالات الرُهاب.
ويتم انتاج «بي دي إن إف» بصورة طبيعية في الدماغ، وأظهرت التجارب أن الفئران التي تعاني من نقص في تلك المادة تصارع من أجل مسح الذكريات السيئة، وهناك دواء يدعى «بروزاك» يرفع ويزيد من مستويات «بي دي إن إف»، لكن الباحثين يعتقدون بأن أدوية أكثر فعالية يمكن تطويرها لمعالجة الخوف والرُّهاب.
ويقول الدكتور توماس انزيل من المعهد الوطني للصحة العقلية الذي موًّل البحث أن هناك أدلة تربط ما بين «بي دي إن إف» والاضطرابات العقلية.
ومن شأن دواء يعمل على تعزيز وزيادة مستويات «بي دي إن إف» في الدماغ أن يساعد أيضا في علاج حالات الإدمان.
وتناولت أفلام الخيال العلمي التي أنتجتها هوليوود منذ عقود مواضيع لها علاقة بالقدرة على محو الذكريات المؤلمة.
وفي العام الماضي، اكتشف باحثون هولنديون أن أدوية تستخدم في المجال العصبي لمعالجة أمراض القلب ربما تساعد المرضى في التخلص من الذكريات السيئة.
لكن هذه الأبحاث تواجه منتقدين أيضا، حيث يدعي البعض بأن الاحتفاظ بالذكريات المؤلمة يعتبر أمرا أساسيا إذا كان لنا أن نتعلم من أخطائنا.