يقدم فيتامين “د” على أنه الدواء الشافي والإعجازي لعلاج جميع الأمراض بدءاً من أمراض القلب وحتى السرطان .
والواقع أنه على مدى الأيام، صار من الحكمة أن نسأل عما إذا كان فيتامين “د” يحل مكان التفاحة التي قيل أنها جديرة بجعلنا بعيدين عن الأطباء إذا ما حافظنا على تناولها كل يوم . وإنه ليبدو أن ثمة قصة ما وراء تمجيد فوائد فيتامين “د” وتأثيره الإيجابي في الصحة، ولكن هل حقاً أن لديه فعالية كبيرة كما يدعون؟ وما هو فيتامين “د”؟ وهل لا نستهلك منه ما يكفي عند تناولنا للحليب أوعندما نتعرض لضوء الشمس بدرجة كافية؟
فيما يلي محاولة للتفريق بين الحقائق والأوهام المنتشرة لدى العامة حول هذا الفيتامين الذي يوصف بأنه يحقق المعجزات لمن يتعاطونه .
ما هو فيتامين “د”؟
يعرف الدكتور راينولد فيث، الخبير البارز في فيتامين “د” ومدير مختبر الأبحاث الخاصة بالعظام والأملاح المعدنية في مستشفى ماونت سيناي في تورونتو فيتامين “د”، أو كالسيفيرول Calciferol، بأنه فيتامين الشمس (Sunsbine Vitamin)، وهو عنصر معدني يمكن الجسم من امتصاص الكالسيوم والفسفور من الأمعاء والاستفادة منهما، وضروري للنمو والتطور الطبيعي للعظام والأسنان عند الأطفال .
وفيتامين “د” يحمي من الضعف العضلي ويدخل في عملية تنظيم ضربات القلب، وهو مهم أيضاً في الوقاية من هشاشة العظام Osteoporosis ونقص الكالسيوم في الدم وعلاجهما، ويقوي جهاز المناعة، وهو ضروري لوظائف الغدة الدرقية وعملية التجلط الطبيعية للدم .
ولا يعد فيتامين “د” فيتاميناً بمعنى الكلمة لسببين، الأول: أن أجسامنا يمكن أن تنتجه بمجرد تعرضنا لأشعة الشمس . والثاني: أن هذا الفيتامين في صورته الفعالة يعتبر هرموناً نظراً لأن له نفس تأثير الهرمونات وبالأخص على امتصاص المعادن وترسيبها في عظامنا وفي بعض إفرازات الجسم . وقد وجد الباحثون أن هذا الفيتامين إذا أضيف إلى الكالسيوم كانت له خصائص مضادة للسرطان، وقد يؤدي انخفاض نسبة هذا الفيتامين في الدم إلى ارتفاع في ضغط الدم عند بعض الأشخاص، مما يشير إلى أن وجود هذا الفيتامين بنسبة علاجية يمكن أن ينظم ضغط الدم .
كما وجد الباحثون أن هذا الفيتامين يلعب دوراً مهماً في علاج بعض أمراض المناعة مثل التصلب المتعدد والصدفية، ووجد أيضاً أن هذا الفيتامين يؤثر في الاتزان البيولوجي والحالة النفسية والسلوك ويساعد على تقوية العضلات . وقد تتعرض النساء اللاتي يعانين نقص فيتامين “د” إلى تشوهات في عظام الحوض مما يسبب لهن صعوبة الولادة، لذلك يجب تناول الكالسيوم والماغنسيوم وفيتامينات أخرى مع فيتامين “د” للوقاية من هذه الأمراض .
الخرافة 1: فيتامين “د” يقي من السرطان .
الحقيقة: لم تظهر الأبحاث الحديثة أي صلة بين فيتامين “د” وتطور الأمراض مثل السمنة وأمراض القلب والتصلب المتعدد وبعض أشكال السرطان والاكتئاب .
ويقول الدكتور فيث: “لم تظهر التجارب السريرية المعتمدة على العقاقير الوهمية (بلاسيبو) أن ثمة دليلاً على وجود علاقة بين فيتامين “د” وغيرها من الأمراض اللهم إلا مرض هشاشة العظام” . وهذا يعني أن الأدلة الحالية على فيتامين “د” ودوره في الوقاية من المرض مبنية على أسس وبائية، وهذا يعني أيضاً أن العلاقة بين معدلات الإصابة بالأمراض التي لوحظت في عدد السكان وشهادات الأشخاص الذين يقرون باستخدام فيتامين “د” لم تكن قطعية بطريقة تمكن الخبراء والحكومات من الاعتماد عليها ووضع توصيات للحصول على الرعاية الصحية الوقائية .
ويقول الدكتور فيث “هذا ما يفسر لنا السبب في عدم وجود أية تأكيدات تتعلق بالكمية التي يتوجب على المرء أن يستهلكها من فيتامين “د” لتحسين حالته الصحية لأننا بكل بساطة لا نعرفها حتى الآن .
الخرافة 2: الجسم ينتج ما يحتاج إليه من فيتامين “د” .
الحقيقة: ينتج فيتامين “د” في الجسم نتيجة التعرض لأشعة الشمس . فالبشرة تنتج فيتامين “د” كاستجابة للأشعة فوق البنفسجية (باء)، ولذلك فإننا نجد في المناطق الشمالية، حيث يقل زمن ظهور أشعة الشمس خاصة في فصل الشتاء، أن الكثير من الناس لديهم مستويات منخفضة من فيتامين “د” .
وقد لوحظ أيضاً أن أصحاب البشرة الداكنة يعانون نقصاً كبيراً في فيتامين “د” لأنهم يحتاجون لوقت أطول من التعرض لأشعة الشمس لإنتاج الكمية نفسها الموجودة عند ذوي البشرة الفاتحة .
ولذا يوصي الأطباء بتناول جرعات إضافية من الفيتامين “د” عندما لا يتعرض المرء بدرجة كافية لأشعة الشمس، وخاصة عند البالغين الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً، وبالنسبة للأشخاص الذين لا تحتوي أنظمتم الغذائية (الريجيم) على ما يكفي من هذا الفيتامين .
ويوجد نوعان من فيتامين “د”: الأول فيتامين “د2” المعروف باسم “ايرجو كالسيفيرول” المصنع (ERGOCALCIFEROL) وفيتامين “د3” المعروف باسم “تولي كالسيفيرول” الطبيعي (CHOLECALCIFEROL) .
وفيتامين “د 3” هو الأفضل لأنه طبيعي، كما أن كلاً من فيتامين “د 2” وفيتامين “د 3” يتحولان إلى فيتامين “د” الفعال بعد مروره في الكبد والكلية، لأن الانواع الفعالة الخاصة لا تصرف إلا بإشراف الطبيب بالنسبة للمرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة في الكبد أو الكلى والتي من شأنها أن تضعف من قدرة أجسامهم على تحويل الفيتامين إلى صورته الفعالة .
الخرافة 3: لا يحتاج المرء إلى تناول جرعات إضافية من فيتامين “د” إذا كان يقضي وقتاً طويلاً في الهواء الطلق (التعرض للشمس):
الحقيقة: يقول الدكتور فيث إنه إذا كان المرء يعمل في الخارج على مدار السنة، فإنه لا يحتاج إلى كمية إضافية من فيتامين “د”، ولكن بما أنه ليس من الواضح أن الغالبية منا تتلقى نصيبها الكافي من التعرض للأشعة فوق البنفسجية (باء)، فمن الأفضل أن يتأكد المرء من الطبيب فيما إذا كان بحاجة إلى كمية إضافية من فيتامين “د” .
الخرافة 4: لا يمكننا معرفة
كم هي الكمية التي نحتاجها من فيتامين “د” .
الحقيقة: إن الكمية التي يحتويها الدم من فيتامين “د” هي التي تحدد ما إذا كان تناول كمية إضافية يصبح أمراً ملحاً، وقد يصف الطبيب تحليلاً للدم لتحديد هذه المستويات، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون هشاشة العظام (النساء بشكل خاص) .
ولكن هل معرفة مستويات فيتامين “د” في الدم يكفي لمكافحة المرض؟
في هذا الصدد يوضح الدكتور فيث “يمكننا القول على وجه اليقين أنه للوقاية من الكسور والتقليل من خطر ترقق العظام، فإنه يتوجب تناول كمية مقدارها 75 nanomoles من فيتامين “د” للتر الواحد من الدم (nmol/ لتر) . ويضيف: “في المتوسط، نجد أن دم ذوي البشرة الفاتحة يحتوي على 60 وحتى 65 nmol/ لتر . فإذا كان المرء يستهلك بانتظام 1000 وحدة دولية من فيتامين “د”، فإنه يمكنه في المتوسط زيادة مستوى الفيتامين في الدم بمقدار 25 nmol/ لتر . ومع ذلك، فإننا بحاجة إلى عدة أشهر لتحقيق نسبة مقبولة من هذا الفيتامين في جسمنا .
الخرافة 5: يجب ألا تتجاوز الجرعة اليومية من فيتامين “د” كمكمل غذائي 200 وحدة دولية .
الحقيقة: الواقع أن المعايير الجديدة المتعلقة بتناول فيتامين “د” نشرها المعهد الأمريكي الطبي للأكاديميات الوطنية، وهو هيئة غير حكومية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني ،2010 وكان من المتوقع وفقاً لهذا المعهد أن يعمل مسؤولو الصحة في كندا والولايات المتحدة على زيادة الجرعة اليومية من فيتامين “د” إلى 400 وحدة دولية والموصى بها للأشخاص من ذوي الأعمار التي تتراوح بين 50-70 عاماً، ولذا فإن التوجيهات الجديدة للمعهد توصي بجرعة يومية من فيتامين “د” تبلغ 600 وحدة دولية للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 70 سنة و800 وحدة دولية للمسنين . إضافة إلى ذلك، توصي المنظمات الأخرى تناول جرعات أكبر . فعلى سبيل المثال توصي الهيئة الكندية لترقق العظام تناول جرعة يومية تتراوح بين 400 وحتى 1000 وحدة دولية لمن هم دون سن 50 ومن 800 حتى 2000 وحدة دولية للأكبر سناً . أما الجمعية الكندية للسرطان فتوصي البالغين بتناول جرعة يومية تبلغ 1000 وحدة دولية خلال فصلي الخريف والشتاء أو على مدار السنة لكبار السن الذين لديهم بشرة داكنة، والذين غالباً لا يخرجون، ويغطون أجسامهم بملابس واقية . ولمعرفة مقدار ما نحتاج إليه، علينا أن نستشير الطبيب .
وتقول إحدى الدراسات الحديثة إن تناول الشخص لأكثر من 1000 وحدة دولية يسبب زيادة الكالسيوم في الجسم (ارتفاع نسبة الكالسيوم في الدم) وهو ما يؤدي إلى ترسب الكالسيوم في الأنسجة الرخوة مثل تلك الموجودة في القلب والرئتين والكلى والأوعية الدموية بشكل لا يمكن التخلص منه . كما أن من أضرار الإفراط في تناول فيتامين “د” الغثيان وفقدان الشهية للطعام والصداع والإسهال وعدم الراحة والإعياء . وإذا كان الشخص يعاني الصرع أو أمراض القلب أو أمراض الأوعية الدموية أو الكلى أو الكبد أو أمراض البنكرياس أو الإسهال المزمن أو المشكلات المعوية فعليه مراجعة الطبيب قبل استعمال فيتامين “د” .
أشعة الشمس علاج رخيص وآمن للعقم
كشفت دراسة دنماركية أن فيتامين “د” يعزز كفاءة السائل المنوي الذكوري ويجعله أكثر سرعة وأقوى مقدرة على الاختراق والنفاذ .
وقد اختبر باحثون في جامعة كوبنهاغن نوعية ودرجة كفاءة السائل المنوي لدى 300 رجل تم اختيارهم بطريقة عشوائية، أجرى الباحثون تحليلاً مفصلاً لعينات مأخوذة من 40 رجلاً آخرين في المختبر .
وتبين من خلال معايرة مستوى فيتامين “د” في دم هؤلاء الرجال أن نصفهم يعانون نقص الكمية اللازمة منه، وهذا النقص في فيتامين “د” مرتبط بالافتقار لأشعة الشمس الطبيعية التي تعتبر المصدر الرئيس لفيتامين “د” .
وبالإضافة لذلك، تبين أن عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال الذين لا يتمتعون بمستويات كافية من فيتامين “د” أقل بكثير مقارنة بمن لديهم مستويات طبيعية من هذا الفيتامين .
ولوحظ أيضاً أن المقدرة على امتصاص الكالسيوم كانت مثبطة وضعيفة .
وتدعم هذه النتائج - التي نشرت في مجلة “هيومان برودكشن” العلمية - بحثاً سابقاً يربط فيتامين “د” بإنتاج السائل المنوي، وقد تفسر حدوث الحمل لكثير من الأزواج في العطلات .
وقد اكتشف الباحثون أن نحو نصف المشاركين في البحث الذين يعانون نقص الكمية اللازمة من فيتامين “د” كانت مستويات الفيتامين لديهم أقل من “50 nmol/1” . في حين أن المستوى الأمثل الموصى به من قبل أغلبية الخبراء ينبغي ألا يقل عن “57 nmol/1” .
ولوحظ أيضاً أن التفاعل الكيميائي اللازم لتخصيب البويضة “الذي يعرف بردة فعل، أو مُحفِّز الأكروسوم” كان أيضاً بطيئاً .
وقد أتت نتائج الاختبارات التي أجريت في المعمل مطابقة للنتائج السالفة .
ويقول الدكتور مارتن بلومبرغ جغنسن، من جامعة ريجشو سبتباليت، إن مستويات فيتامين “د” مرتبطة بشدة بحركة الحيوانات المنوية، وهي تدل على أهمية فيتامين “د” لوظائف السائل المنوي البشري” .
وأضاف الدكتور جنسن، الذي يشرف الآن على تجربة جديدة “تشير تلك النتائج إلى علاج رخيص وآمن لحالات العقم عند الذكور التي لا يمكن تفسيرها” . وفي التجربة الجديدة سوف يقوم الدكتور جنسن بمراقبة 340 رجلاً مصابين بالعقم، وسوف يتناول هؤلاء الرجال مكملات فيتامين “د” يومياً لمدة 150 يوماً، ويتم قياس مدى جودة السائل المنوي قبل وبعد فترة العلاج . ويقول الدكتور جنسن “نعتقد أن مكملات فيتامين “دي” سوف تزيد من جودة السائل المنوي عن طريق تحسين نسبة الحيوانات المنوية العادية وحركتها، وذلك سيزيد من فرص الحمل الطبيعي” .
فيتامين “د” وتفعيل دفاعات الجسم الطبيعية
تشير مجلة “علم المناعة الطبيعية” في أحد التقارير الصادرة عن فريق من جامعة كوبنهاغن قام بإبراز الدور الحاسم الذي يلعبه فيتامين “د” في عمل جهازالمناعة إلى أن هذا الفيتامين يلعب دوراً رئيساً في تفعيل دفاعاتنا . وهذا هو السبب في أن الخلايا اللمفاوية (تي)، التي تسمى بجنود الجهاز المناعي والتي تدمر البكتيريا والفيروسات، تكون أقل فعالية ضد الالتهابات لدى المرضى الذين لديهم معدلات قليلة جداً من فيتامين “د” في الدم . هذه الخلايا تحتاج لفيتامين “د” لكي تكون قادرة على الدفاع عن الجسم .
ويقول الباحثون: “إذا كانت الخلايا اللمفاوية (تي) لا تستطيع الحصول على ما يكفي من فيتامين “د” في الدم، فإن عملها لا يبدأ بشكل فعال .
ويعرف العلماء منذ فترة طويلة أن فيتامين “د” مهم لامتصاص الكالسيوم وله دور في مكافحة أمراض مثل السرطان والتصلب المتعدد، ولكن ما لم يدركه هو أهمية هذا الفيتامين الحاسمة في تنشيط النظام المناعي” .
ويأمل الخبراء رفع مستوى الوعي لدى الناس بأهمية فيتامين “د”، خاصة أن وجوده ليس كبيراً في الأطعمة ولكن تظهر فائدته