عقل الرجل وعقل المرأة.. نظرة في العمق
للكاتب والمحاضر والموسيقي الأمريكي مارك جونجور
تظن بعض الزوجات أن زوجها قد تغيرت مشاعره تجاهها أو العكس، والحقيقة هو أن
السبب الأساسي هو أن الرجل يحتاج أن يتصرف وفق طبيعته كرجل كما تحتاج
المرأة أن تتصرف وفق طبيعتها كامرأة، و من الخطأ أن ينكر أحدهما على الآخر
هذا الحق – كما ننكر على أبنائنا أن يتصرفوا كأطفال، أو ننكر على كبار السن
أن يتصرفوا ككبار سن، أو ننكر على الزعماء أن يتصرفوا كزعماء- يحدث كثيراً
أن يعجز الواحد منا أن يستمر في تمثيل النفاق لفترة طويلة، فيعود للتصرف
على طبيعته، فلا يفهم الطرف الآخر فيظن أنه تغير فتحدث المشكلة.
ان الخلاف بين الرجل والمرأة هو خلاف في أصل الخلقة، وأنه لا يمكن علاجه،
وإنما يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر، ودوافعه
لسلوكه التي تبدو غربية وغير مبررة.
عقل الرجل صناديق، وعقل المرأة شبكةوهذا هو الفارق الأساسي بينهما، عقل
الرجل مكون من صناديق محكمة الإغلاق، وغير مختلطة. هناك صندوق السيارة
وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء
وصندوق المقهي.. الخ..
وإذا أراد الرجل شيئاً، فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه…
وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه. وإذا انتهى أغلقه
بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا.
وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما
تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما
يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن
الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب من عدة دقائق
ينتظر إذنا بالدخول.
عقل المرأة شيء آخر: إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة
جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً. كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى
مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت
وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وهي ترضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد
المسلسل في وقت واحد. ويستحيل على الرجل – في العادة – أن يفعل ذلك.
كما أنها يمكن أن تنتقل من حالة إلى حالة بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة،
ويبدو هذا واضحاً في حديثها فهي تتحدث عما فعلته بها جارتها وما قالته لها
حماتها ومستوى الأولاد الدراسي ولون ومواصفات الفستان الذي سترتديه في حفلة
الغد وعدد البيضات في الكيكة في مكالمة تليفونية واحدة، أو ربما في جملة
واحدة بسلاسة متناهية، وبدون أي إرهاق عقلي، وهو ما لا يستطيعه أكثر الرجال
احترافاً وتدريباً
.
الأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائماً، ولا تتوقف عن العمل
حتى أثناء النوم، ولذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلاً من أحلام الرجال.
المثير في أمر صناديق الرجل أن لديه صندوقاً اسمه: "صندوق اللاشيء"، فهو
يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقلياً ولو بقي موجوداً بجسده و
سلوكه.
يمكن للرجل أن يفتح التليفزيون ويبقى أمامه ساعات يقلب بين القنوات في
بلاهة، وهو في الحقيقة يصنع لا شيء. يمكنه أن يفعل الشيء نفسه أمام
الإنترنت. يمكنه أن يذهب ليصطاد فيضع الصنارة في الماء عدة ساعات، ثم يعود
كما ذهاب، تسأله زوجته ماذا اصطدت فيقول: لا شيء لأنه لم يكن يصطاد كان
يصنع لا شيء.
جامعة بنسلفانيا في دراسة حديثة أثبت هذه الحقيقة بتصوير نشاط المخ، يمكن
للرجل أن يقضي ساعات لا يصنع شيئاً تقريباً، أما المرأة فصورة المخ لديها
تبدي نشاطاً وحركة لا تنقطع.
وتأتي المشكلة عندما تحدث الزوجة الشبكية زوجها الصندوقي فلا يرد عليها، هي
تتحدث إليه وسط أشياء كثيرة أخرى تفعلها، وهو لا يفهم هذا لأنه – كرجل –
يفهم أنه إذا أردنا أن نتحدث فعلينا أن ندخل صندوق الكلام وهي لم تفعل.
وتقع الكارثة عندما يصادف هذا الحديث الوقت الذي يكون الرجل فيه في صندوق
اللاشيء. فهو حينها لم يسمع كلمة واحدة مما قالت حتى لو كان يرد عليها
ويحدث كثيراً أن تقسم الزوجة أنها قالت لزوجها خبراً أو معلومة، ويقسم هو
أيضاً أنه أول مرة يسمع بهذا الموضوع، وكلاهما صادق. لأ نها شبكية وهو
صندوقي.
والحقيقة أنه لا يمكن للمرأة أن تدخل صندوق اللاشيء مع الرجل، لأنها بمجرد
دخوله ستصبح شيئاً .. هذا أولاً، وثانياً أنها بمجرد دخولها ستبدأ في طرح
الأسئلة: ماذا تفعل يا حبيبي، هل تريد مساعدة، هل هذا أفضل، ما هذا الشيء،
كيف حدث هذا… وهنا يثور الرجل، ويطرد المرأة… لأنه يعلم أنها إن بقيت فلن
تصمت، وهي تعلم أنها إن وعدت بالصمت، ففطرتها تمنعها من الوفاء به.
في حالات الإجهاد والضغط العصبي،يفضل الرجل أن يدخل صندوق اللاشيء، وتفضل
المرأة أن تعمل شبكتها فتتحدث في الموضوع مع أي أحد ولأطول فترة ممكنة. إن
المرأة إذا لم تتحدث عما يسبب لها الضغط والتوتر يمكن لعقلها أن ينفجر، مثل
ماكينة السيارة التي تعمل بأقصى طاقتها رغم أن الفرامل مكبوحة، والمرأة
عندما تحدث زوجها فيما يخص أسباب عصبيتها لا تطلب من الرجل النصيحة أو
الرأي، ويخطئ الرجل إذا بادر بتقديمهما، كل ما تطلبه المرأة من الرجل أن
يصمت و يستمع ويستمع ويستمع…. وفقط.
الرجل الصندوقي بسيط والمرأة الشبكية مركبة (كتبت معقدة ثم غيرتها).
واحتياجات الرجل الصندوقي محددة وبسيطة وممكنة وفي الأغلب مادية، وهي تتركز
في أن يملأ أشياء ويفرغ أخرى…
أما احتياجات المرأة الشبكية فهي صعبة التحديد وهي مركبة وهي متغيرة. قد
ترضيها كلمة مرة، ولا تقنع بأقل من عقد ثمين مرة أخرى.. وفي الحالتين فإن
ما أرضاها ليس الكلمة ولا العقد وإنما الحالة التي تم فيها صياغة الكلمة
وتقديم العقد.
والرجل بطبيعته ليس مهيأ لعقد الكثير من هذه الصفقات المعقدة التي لا تستند
لمنطق، والمرأة لا تستطيع أن تحدد طلباتها بوضوح ليستجيب لها الرجل
مباشرة… وهكذا يرهق الرجل، ولا ترضى المرأة.
الرجل الصندوقي لا يحتفظ إلا بأقل التفاصيل في صناديقه، وإذا حدثته عن شيء
سابق فهو يبحث عنه في الصناديق، فإذا كان الحديث مثلاً عن رحلة في الأجازة،
فغالباً ما يكون في ركن خفي من صندوق العمل، فإذا لم يعثر عليه هناك فلن
يعثر عليه أبداً.. أما المرأة الشبكية فأغلب ما يمر على شبكتها فإن ذاكرتها
تحتفظ بنسخة منه ويتم استدعاؤها بسهولة لأنها على السطح وليس في الصناديق.
ووفقاً لتحليل السيد مارك، فإن الرجل الصندوقي مصمم على الأخذ، والمرأة
الشبكية مصممة على العطاء. ولذلك فعندما تطلب المرأة من الرجل شيئاً فإنه
ينساه، لأنه لم يتعود أن يعطي وإنما تعود أن يأخذ وينافس، يأخذ في العمل،
يأخذ في الطريق، يأخذ في المطعم.. بينما اعتادت المرأة على العطاء، ولولا
هذه الفطرة لما تمكنت من العناية بأبنائها..
إذا سألت المرأة الرجل شيئاً، فأول رد يخطر على باله: ولماذا لا تفعلي ذلك
بنفسك. وتظن الزوجة أن زوجها لم يلب طلبها لأنه يريد أن يحرجها أو يريد أن
يظهر تفوقه عليها أو يريد أن يؤكد احتياجها له أو التشفي فيها أو إهمالها…
هي تظن ذلك لأنها شخصية مركبة، وهو لم يستجب لطلبها لأنه نسيه، وهو نسيه
لأنه شخصية بسيطة ولأنها حين طلبت هذا الطلب كان داخل صندوق اللاشيء أو أنه
عجز عن استقباله في الصندوق المناسب فضاع الطلب، أو أنه دخل في صندوق لم
يفتحه الرجل من فترة طويلة.
تقول إحدى الزوجات – ولعلها زوجتي- إنه يصر على معاندتي واستفزازي، لقد
طلبت من زوجي أن يساعدني ويضع الغسيل في الغسالة… واستغرق الأمر مني بعض
الوقت حتى أعددت وعاء الغسيل ووضعه له في منتصف الغرفة لينقله إلى الغسالة…
ولكنه لم يفعل. وأقسمت على ألا أطلب منه هذا الطلب ثانياً، وكان لمزيد من
استفزازي يعبر فوق الوعاء أو يمر من جواره دون أن يكلف نفسه عناء نقله أو
حتى إزاحته ليتحرك بسهولة. وبقي الإناء هكذا لمدة شهر وهو يعاندني ولا
يحركه أو ينقل ما فيه… حتى زارنا أحد الأصدقاء فقصصت عليه القصة فلما فاتحه
في الموضوع قال زوجي: أي وعاء وأي غسيل. فأخذته من يده إلى الغرفة حيث
يقع… فنظر إليه في بلاهة وقال: ما هو المطلوب مني؟ قلت: أن تنقله إلى
الغسالة؟ قال: وهل طلبت مني ذلك؟ قلت نعم طلبت، وحتى لو لم أطلب فعليك أن
تفهم هذا بنفسك… الغريب أن الرجل قال بكل صدق: والله كأني أنظر إلى هذا
الوعاء الآن لأول مرة.!!!