يشير بحث علمي صادر عن قسم الفيزيولوجيا في جامعة شيكاغو الطبية بالولايات المتحدة الأميركية إلى أن الصوم عن الطعام لمدّة أسبوعين فقط قادر على تجديد أنسجة الجسم وإعادتها إلى حالتها الفيزيولوجية في مرحلة البناء (حالة الشباب)، كما يضيف أن تكرار الصوم خلال فترات منتظمة كفيل أن يزيد كفاءة الجسم في القيام بوظائفه الحيوية الأساسية، فضلاً عن فوائده الأخرى في إذابة الدهون والتخلّص من السموم المتراكمة في الجسم وتنقية الدم من الجذور الحرّة الناتجة عن العمليات الاستقلابية والتمثيل الغذائي. ولكن رغم فوائده العديدة، يحذّر خبراء في "منظمة الصحة العالمية" من تأثير الصوم في نقص سوائل الجسم نتيجة الانقطاع عن تناول الماء والمشروبات لساعات طويلة من النهار، خصوصاً أثناء الصيف.
"سيدتي" تطّلع من الاختصاصية في التغذية العلاجية ب "المركز الطبي الدولي" IMC سمية محمد صالح عن النصائح التي تحافظ على التوازن الطبيعي للعناصر الأساسية كافّة في الجسم، وخصوصاً الماء.
ثمة فوائد عدّة للصوم تعيد للجسم توازنه الحيوي الطبيعي المتناقص بفعل نوعية الغذاء الضارّة واتّباع عادات غذائية خاطئة تؤدّي إلى تراكم السموم والدهون المكتسبة من الغذاء في خلايا وأنسجة الجسم، ما يصيب بحالات من التعب المزمن والخمول وضعف البنية العضلية. وقد توصّل باحثون في "منظمة التغذية الأميركية" إلى مجموعة من التغييرات التي تطرأ على الوظائف الأساسية أثناء الصوم، أبرزها:
- الراحة الفيزيولوجية: يؤكّد خبراء التغذية في "منظمة التغذية الأميركية" على فعالية الصوم في إراحة أعضاء الجسم من فرط وسوء التغذية، فضلاً عن مساعدتها على استعادة نشاط هذه الأعضاء بسرعة وقوّة. وممّا لا شك فيه أن الغدد الصماء والجهاز التنفسي والعصبي ترتاح كثيراً أثناء الصوم، باستثناء أجهزة طرد الفضلات التي تعمل بشكل أكبر أثناء الصوم حتى تخلّص الجسم من السموم المتراكمة فيه.
- الاستقلاب: تثبت دراسة صادرة حديثاً من "مركز الطب الرياضي الأميركي" أن الاستقلاب ينقص بمعدّل 25 إلى 40% أثناء الصوم، وتفيد نتائجها أنّ معدّل الاستقلاب الخلوي (الأيض) يتناقص بسرعة أثناء الصوم، حتى يصل إلى درجة ثابتة من الحد الأدنى، ويبقى على هذا المعدل المنخفض حتى العودة إلى الحالة الطبيعية وانتهاء فترة الصوم. وفي هذا الإطار، تظهر دراسة علمية صادرة عن "مركز التحكّم والوقاية من الأمراض" في الولايات المتحدة الأميركية أن الصوم لمدّة 30 يوماً أو أكثر قد يزيد معدل الأيض الغذائي بمقدار 6% بعد انتهاء فترة الصوم، ما يعمل على إنقاص الوزن والحفاظ عليه في مراحل العمر المتقدّمة.
- التخلّص من الفضلات والسموم: يعدّ الصوم، وفق تقارير "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" طريقة طبيعية لتخليص الجسم من الأنسجة التالفة والكميّات المتراكمة به من السموم والفضلات. ويرى العلماء أنه لا توجد طريقة كالصوم قادرة على طرح الفضلات والسموم خارج الجسم، ولكن تحدث عند بدايته زيادة مؤقتة في طرح الفضلات مقارنة بالأيّام العادية، إذ أن الكميّات الكبيرة من الفضلات التي يطرحها الجسم أثناء مرحلة الصوم تتعلّق بالنظام الغذائي وكميّات الأغذية التي يتناولها الفرد قبل مرحلة الصوم. وكلّما ازدادت فترة الصوم ازداد نقاء الدم الذي يصل إلى الأعضاء، علماً أن أسبوعاً واحداً من الصوم يكفي لتخليص المعدة والأمعاء من الجراثيم والفطريات المكتسبة من الغذاء.
- فقدان الوزن: يساعد الصوم على تسريع عملية إنقاص الوزن من خلال تحسين عمليات التخلص من السموم وطرد الفضلات من الجسم. ويوضح العلماء في "هيئة الخدمات الوطنية الصحية بلندن"، في هذا الشأن، أن الصائم يمكن أن يفقد 40% من وزنه بدون أن تتعرّض حياته للخطر، بالإضافة إلى أنه مهما بلغت نسبة الخسارة في الوزن أثناء الصوم، فإن الصائمين يستطيعون في فترة ما بعد الصوم أن يستردّوا جزءاً ممّا فقدوه، ولكن بجسم صحّي ومتعافٍ. وبصورة عامّة، فإن البدناء قد يخسرون أرطالاً زائدة من أوزانهم حيث تكون أنسجتهم رخوة وليّنة لاحتوائها على الدهون مقارنة بالنحفاء الذين تكون أنسجتهم قاسية وخالية من الشحوم، كما أن الأشخاص العصبيين أو الانفعاليين قد يفقدون جزءاً كبيراً من أوزانهم بشكل أسرع مما يفقده الأشخاص المتّزنون أو الهادئون.
نصائح رمضانية
وإذ يقع كثيرون في خطأ عدم إمداد أجسامهم بالسوائل الناقصة بفعل الصوم، ويكتفون بتناول الحلويات التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات التي تزيد من احتياج الجسم للماء بين الإفطار والسحور، يؤكد بحث غذائي نشر في "مجلة التغذية الأميركية" أن الإحساس بالجوع ينتج عن الشعور بالعطش واحتياج الجسم للماء، ما يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام بعد الإفطار واكتساب عدد زائد من السعرات الحرارية، وبالتالي زيادة غير مرغوبة في الوزن. ولذا، يوصي خبراء التغذية بشرب كوب من الماء في كلّ ساعة تلي الإفطار، وعدم الانتظار إلى الشعور بالعطش. وتعدّ هذه الطريقة مثالية لإعادة التوازن الطبيعي إلى وظائف الجسم الحيوية.
ومعلوم أن الصوم في الأوقات التي ترتفع فيها درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة في طرح السوائل خارج الجسم عن طريق التبوّل أو التعرّق، ما قد يصيب الجسم بحالات من الجفاف والضعف البدني.
وفي هذا الإطار، يقدّم الأطباء مجموعة من النصائح التي تساعد على زيادة الإحساس بالارتواء والتقليل من الشعور بالظمأ، أبرزها:
1- تجنّبي تناول الأطعمة الحرّيفة أو التوابل الحارّة التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء بعد التهامها.
2- أكثري من تناول الخضر والفاكهة كوجبات خفيفة وبديلة عن الحلويات بعد الإفطار لاحتوائهما على نسبة عالية من الماء والألياف اللذين يحسّنان عمليّة الهضم وحركة الأمعاء في الجسم.
3- تجنبي تناول المواد الغذائية المحتوية على كمية كبيرة من "الكربوهيدرات" البسيطة المصنّعة من السكر المكرّر أو الدقيق الأبيض كالحلويات الشرقية والكعك و"الكيك".
4- أكثري من تناول الزبادي والألبان قليلة الدسم في وجبة السحور لاحتوائهما على حامض "اللاكتيك" الذي يساعد على تحسين الهضم وامتصاص الكالسيوم والعناصر الغذائية الأساسية بشكل أفضل، علاوة على احتوائهما على فيتامينات تساعد على تجديد البشرة وترطيب الخلايا، ما يقلّل الشعور بالظمأ إلى اليوم التالي.
5- تجنبي تناول المشروبات المحتوية على الكافيين (القهوة والشاي والمشروبات الغازية) لتأثيرها المدر للبول، ما يزيد من فقدان الجسم للماء.
6- أكثري من تناول الماء البارد بين وجبتي الإفطار والسحور، إذ تشير دراسة نشرت مؤخراً في "مجلة الغدد الصماء والاستقلاب" إلى أهمية الماء البارد في رفع معدّل الأيض، حيث يؤدي تناول الماء البارد إلى خفض درجة حرارة الجسم عن معدلها الطبيعي (37 درجة مئوية)، وبالتالي قيام الجسم ببذل كمية أكبر من الطاقة وإحراق عدد أكبر من السعرات الحرارية للوصول بدرجة حرارة الجسم إلى معدلها الطبيعي، الأمر الذي يرفع معدل الأيض ويزيد فرص إنقاص الوزن.
7- تجنبي الإسراف في تناول الأطعمة المقليّة المحتوية على كمية كبيرة من الدهون المشبّعة (السمبوسة والقطايف والبطاطس المقلية والدجاج المقلي).
8- أكثري من تناول الحبوب الكاملة (اللوبياء والفاصولياء والبطاطس المسلوقة وحبوب الشوفان) في وجبة الإفطار لفوائدها في تعزيز الشبع وتعزيز الشعور بالامتلاء.
9- تجنبي الإفراط في ممارسة التمرينات الرياضية العنيفة أثناء الصوم كالجري والمشي لما لهما من تأثير على نقص السوائل ونسبة الماء في الجسم. وينصح، في هذا الشأن، بممارسة التمرينات الرياضية الخفيفة التي تعتمد على اللياقة أكثر من الحركة ك "البيلاتس" و"الأيروبيكس" و"اليوغا".
10- أكثري من تناول أنواع الحساء الغنيّة بالألياف والسوائل في وجبة الإفطار لتعويض الجسم عن نقص الماء فيه والتقليل من الكميات المتناولة من الطعام، إذ يثبت بحث غذائي صادر عن "مركز معلومات الطعام والتغذية في أميركا" أن تناول الحساء قبل الطبق الرئيس يفيد في تقليل الجوع والحدّ من الشهية، بالإضافة إلى فعاليته في زيادة الشعور بالامتلاء وتعزيز الشبع.