2/05/2011
بقلم المهندس باسل قس نصر الله
ترددت طويلا قبل أن أتكلم، قبل أن انقل ذكريات سمعتها وارتأيت أن أقولها، عسى أن أساهم في تسليط الضوء على بعض الزوايا غير المضيئة.
أنا لست من الأشخاص الذين لا يرون أمامهم سوى نظرية المؤامرة في كل الأحداث التي تقع في العالم، ولكنه، ومن باب تسليط الضوء، أتذكر للتاريخ :
كان مساء يوم الاثنين منذ حوالي ثلاث سنوات، عندما اتصل احد السفراء الأوروبيين في دمشق، ليقول لي انه يدعوني في الغد لاحتساء القهوة عنده، فقلت له أنني في حلب ويوم الأربعاء سآتي إلى دمشق، فأجابني على الفور، أنه يفضل غدا.
فهمت أنه يريد أن يكلمني بأمر مهم، فقلت له حسن في الغد أكون عندك.
من المتعارف عليه أن يجتمع السفراء الأوروبيون كل شهر، فيما بينهم للتداول واستعراض المعلومات التي تردهم من دولهم فيما يخص البلد المقيمين فيه، وذلك عند سفير الدولة التي تكون رئيسة لأوروبا، ومعروف أن الرئاسة الأوروبية تتبادلها الدول الأعضاء كل ستة أشهر، والسفير الذي كلمني كانت دولته هي رئيسة لأوروبا.
سافرت عند الفجر إلى دمشق ووصلتها صباحاً، وتوجهت إلى السفارة حيث استقبلني السفير وجلسنا لاحتساء القهوة، وأنا متحرق لمعرفة ماذا يريد أن يقول لي.
وقف فجأة وذهب إلى طاولته حيث بحث في أوراق موجودة على مكتبه وقال لي: لدينا تخوف من محاولة اغتيال رجال دين على أبواب دور العبادة، ويجب على المفتي العام (لسورية) أن يأخذ حذره، وعلى من يرافقه أن يضع مسدساً، أنا اعرف أنه ضد هذه الإجراءات، لكن عليه أن يأخذ الحذر وان يهتم لهذه المعلومات.
لم آخذ ما قاله السفير على محملٍ عالٍ من الأهمية، وتابعت شرب القهوة، ثم شكرته وغادرت متوجها عند المفتي العام، حيث أخبرته ما قاله لي السفير، فأجابني قائلاً: إذا كانت هذه مشيئة الله فلا راد لقضائه، ثم توقف قليلاً وسرح ببصره.
يوم الأربعاء والخميس أخبرت البعض من المحيطين بالمفتي العام، ما قاله لي السفير، إلا أنني لمست أن المفتي لم يأخذ الأمر - بالنسبة له - على محمل الجد.
يوم الجمعة وهو يوم عطلة بالنسبة لي، أبقى في مكتبي لأقرأ أو أكتب أو انظم مكتبتي، المهم أني لا أخرج من مكتبي إلا نادراً، وعند المغرب كنت مدعوا على إفطار (كوننا كنا في شهر رمضان) أقامته كنيسة الروم الأرثوذكس في حلب وحضره رئيس وزراء سورية آنذاك محمد ناجي عطري، بعد الإفطار قال لي المفتي العام أن اخبر أبو منير (رئيس الوزراء) ما قاله لي السفير، فأخبرته بذلك، وقرأت ملامح متعددة على الوجهين، فسألت المفتي : لماذا؟
فأجابني ألا تعلم؟
قلت : لا، لأني لم أخرج من مكتبي منذ الظهر إلى الآن، خير؟
قال لي: لقد قتلوا الشيخ فلان أمام باب المسجد بعد الانتهاء من صلاة الجمعة
لماذا اروي هذه الحادثة ؟؟؟؟
خَطَبَ الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب وقال أننا نتعرض لمؤامرة منذ خمسة سنوات، وكتبتُ مقالة، اتهمني الكثير من الأشخاص بأنني لا أتكلم بصراحة وأنني لا أرى إلا نظرية المؤامرة.
إن الرئيس لم يقل أن المؤامرة ليس لها طوابير في الداخل، وهي طوابير خامسة وسادسة وألف .
ولم أقل أني أدافع عن أخطاء ارتكبناها جميعاً.
صمتنا عندما كان علينا أن نتكلم.
ساهمنا في الفساد، وأفسدنا الكثيرين، ضعُفت نفوسنا وضعُف إيماننا بالوطن، وهو أحوج اليوم إلى وقفتنا معه.
أردنا الوطن مزرعة لنا.
صدقنا الجميع وكذبناه.
فليسمح لي الذين يقولون انه لا توجد مؤامرة، أن أجيبهم....
لقد تواكبت كل المعطيات لكي يحدث ما يحدث، المؤامرة التي استفادت من أخطائنا غير المبررة في عدم مسايرتنا للحاضر وعدم تمكننا من تأمين المستقبل، إضافة إلى ضعاف النفوس، والاغلاط التي نرتكبها في معالجة الحلول، والشهداء الذين سقطوا ...كلها ساهمت في إشعال فتيل الفتنة، فهل نحن مرتدعون.
لا شك إن من يريد إشعال الفتنة التي أدت إلى العنف، يوجب علينا إطفاء حريقها، من خلال نبذ العنف والعنف المضاد بجميع أشكاله ومحاسبة المسؤولين عنه واعتماد الحلول الهادئة للسير بالبلاد والعباد إلى خير نرجوه، مبدين المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية .
أفلا يتدبرون
اللهم اشهد أني بلغت